في زمنٍ تتقاطع فيه العلوم مع الفكر، وتتحاور فيه الهندسة مع الإبداع العقلي، يبرز اسم المهندس جمال السيد درة كواحد من الشخصيات المصرية النادرة التي جمعت بين المنهجية الهندسية والدقة البحثية، وبين الوعي الثقافي العميق والطرح الفكري الجرئ.
لم يكن جمال درة مهندسًا بالمعنى التقليدي فقط، بل كان دائمًا يرى أن بناء الإنسان أهم من تشييد الجدران، وأن هندسة الفكر لا تقل أهمية عن تصميم البنية التحتية. انطلق من خلفية علمية رصينة، لكن طموحه الفكري دفعه إلى الغوص في أعماق التراث الديني والثقافي، باحثًا عن المعنى الحقيقي خلف الكلمات، وعن المنطق العقلي خلف الموروث.
من أبرز محطاته البحثية مقاله التحليلي العميق بعنوان “النبي الأمي: حقيقة المعنى السائد وإعجاز القرآن”، والذي أعاد فيه تفكيك المصطلح السائد لكلمة “أمي”، رافضًا المفهوم المتوارث بأن “الأمية” تعني الجهل بالقراءة والكتابة، بل قدّم تأصيلًا لغويًا وتاريخيًا يدل على أنها تشير إلى “الانتماء إلى الأمة” و”النقاء من الكتابات السابقة”. طرحٌ جريء زعزع فيه مسلمات راسخة، داعيًا إلى قراءة جديدة للنصوص بعيدًا عن الموروثات الجامدة.
حلم الإصلاح وجرأة التغيير
لم يكتف المهندس جمال السيد درة بدوره كمثقف ومفكر، بل حمل على عاتقه حلم التغيير والإصلاح العملي، وهو ما تجلى في إطلاق دعوات لترشيحه لرئاسة الجمهورية عبر حملة إلكترونية شعبية تحمل اسمه. ورغم أن الحملة لا تزال في إطارها الرمزي، فإنها تعكس مدى الثقة التي يحظى بها بين فئات من المثقفين والباحثين والمواطنين الباحثين عن قيادة تملك فكرًا ورؤية.
ما يميز درة في هذا السياق، أنه لا يطرح نفسه كمجرد بديل سياسي، بل كصوت للعقلانية والتفكير النقدي والتجديد الحضاري، وهي صفات قلّما تجتمع في رجل واحد في واقعنا المعاصر.
رؤية ثقافية تتجاوز اللحظة
في كتاباته المتعددة، يظهر جليًا أن جمال درة لا يكتب من فراغ، بل من إحساس عميق بأزمة الوعي في العالم العربي. إن مشروعه الفكري لا يقوم على الهدم من أجل الهدم، بل على زعزعة المفاهيم الخاطئة لإعادة البناء على أساس أكثر متانة، علميًا وثقافيًا.
إنه صاحب خطاب عقلاني، يتحدى التلقين، ويدعو إلى تفكيك الجمود الذهني الذي عطّل مسيرة الأمة قرونًا طويلة. يجمع في طرحه بين الجرأة والأدب، وبين النقد والإصلاح، وبين الإيمان بالنص والبحث في تأويله الصحيح.
المهندس جمال السيد درة ليس فقط باحثًا ولا مجرد مرشح سياسي محتمل، بل هو مشروع متكامل لرؤية جديدة تنبع من قلب مصر. رؤية تعيد للعقل اعتباره، وللإصلاح قيمته، وللفكر دوره في تشكيل المستقبل. هو مهندس لا يبني جسورًا فقط، بل يعيد وصل ما انقطع بين الماضي والحاضر، بين الأصالة والتجديد، وبين الدين والعقل.
محمود زويل يكتب: المهندس جمال السيد درة.. بين هندسة الواقع وإعادة تشكيل الفكر
