قصة قصيرة تدور أحداثها على الفتاة ليلى التًِي اكتشفت موهبتها الفريدة في الرسم عندما أمسكت الفرشاة لأول مرة، فوجدت أن الألوان تنساب بين يديها كأنها كانت تنتظرها منذ زمن!
في قرية صغيرة بين التِّلال الخضراء، كانت تعيش فتاة تُدعى ليلى، فتاة حالمة تَعْشق تأمل الأفق عند غروب الشّمس؛ كانت تجد في ذلك المشهد سحرًا يأخذها إلى عوالم من الخيال، حيث الألوان تتداخل بين الأزرق والبرتقالي في لوحة فنية لا يبدعها سوى الخالق!
كل مساء، كانت ليلى تجلس على تلٍّ قريب، تتأمل الأفق وتحلم بمستقبل مليء بالمغامرات والاكتشافات؛ لم تكن قريتها الصغيرة تسع طُموحاتها، فقد كانت تتوق لرؤية العالم وراء الأفق الجميل!
ذات يوم، سمعت ليلى عن قافلة تجارية تَمر بقريتهم في طريقها إلى مدينة بعيدة، فجمعت شجاعتها وقررت أن تبدأ رحلتها نحو المجهول؛ لم يكن القرار سهلًا، فقد كان عليها أن تودّع أهلها وأحبّتها، لكنها كانت تؤمن أن الأحلام لا تتحقق بالبقاء في المكان نفسه!
خلال رحلتها، رأت ليلى عوالم لم تتخيلها من قبل، التقت بأشخاص من ثقافات مختلفة، وتعلمت لغات جديدة؛ لكنها كانت دائمًا تبحث عن الأفق الجميل في كل مَكان تزورهُ، تراقب الغروب وتتذكر قريتها الصغيرة!
وبعد سنوات من التِّرحال، أدركت ليلى أن الأفق الجميل لم يكن مكانًا بعيدًا، بل كان يكمن في روحها، في كل لحظة حلمت فيها، وفي كل مرة تجرأت على اكتشاف الجديد. عندها قررت العودة إلى قريتها، لكنها لم تعد الفتاة الحالمة فقط، بل أصبحت امرأة تحمل في قلبها قصص العالم، وتجارب الحياة، وأفقًا لا حدود له!
وهكذا، أصبحت ليلى مصدر إلهام لكل من أراد أن يحلم، ويغامر، ويبحث عن الأفق الجميل في حياته!
عندما عادت ليلى إلى قريتها، كانت تحمل في قلبها ذكريات رحلاتها ااجميلة، وفي عينيها بريق التَّجارب التي خاضتها؛ لكن شيئًا ما كان ينقصها، شعرت بأن داخلها مشاعر وأفكار تحتاج إلى وسيلة للتعبير عنها!
ذات مَساء، بينما كانت تجلس على التلّ تتأمل الأفق كما كانت تفعل في طفولتها، شعرت برغبة غامرة في تخليد هذا المشهد؛أمسكت عصًا صغيرة وبدأت ترسم على التراب، ومن هنا كانت البداية!
في الأيام التَّالية، بدأت ليلى تستعمل الألوان التي جلبتها من رحلاتها، ورسمت أولى لوحاتها؛ أفق قريتها الجميل بلونه البرتقالي الدافئ، وكلما غاصت في الرسم، اكتشفت أنها تمتلك موهبة فريدة، موهبة لم تكن تعلم بوجودها من قبل!
تحولت جدران منزلها إلى لوحات فنية، وبدأت القرية تلاحظ جمال رسوماتها؛ صار أهلها يطلبون منها رسم لوحات لمنازلهم، فامتلأت القرية بألوان الحياة؛ حتى أن التجار الذين يمرّون بالقافلة بدأوا يشترون لوحاتها، فأصبحت مشهورة بلوحاتها السَّاحرة التي تروي قصصًا عن الأماكن التي زارتها!
وفي يوم من الأيام، جاءت قافلة جديدة إلى القرية، وكان فيها تاجر فنون من مدينة بعيدة، انبهر بلوحاتها وعرض عليها أن تعرض أعمالها في معارض المدينة الكبرى، وهكذا تحققت أحلام ليلى، لكن بطريقة لم تتوقعها، فقد أدركت أن الأفق الجميل لم يكن فقط في الرحيل والمغامرة، بل كان أيضًا في قدرتها على نقل جمال العالم عبر لوحاتها!
ومنذ ذلك الحين، أصبحت ليلى رمزًا للإبداع في قريتها، تعلم الأطفال الرسم، وتنقل إليهم رسالة واحدة لكل إنسان أفقه الجميل، وعليه أن يبحث عنه في أعماق نفسه!
بعد أن عرض تاجر الفنون لوحات ليلى في معارض المدينة، لاقت أعمالها شهرة واسعة، وأصبح الفنانون والنقاد يتحدثون عن الفتاة القادمة من القرية الصغيرة التي ترسم الأفق وكأنه ينبض بالحياة!
كان التاجر الوسيم مفتونًا بموهبتها، لكنه كان أكثر انبهارًا بشخصيتها، رأى في عينيها حبًا للحياة وشغفًا لا ينطفئ، ومع مرور الأيام، نشأت بينهما صداقة قوية تحولت إلى إعجاب، ثم إلى حب صادق!
كان الشاب الوسيم نبيلاً، عاشقًا للفن والجمال، فوجد في ليلى روحًا حرة تلهمه، ووجدت ليلى فيه دعمًا ورؤية جديدة للحياة؛ وبعد عدة أشهر، تقدم الشاب لطلب يدها، فلم تتردد ليلى كثيرًا، فقد شعرت أن رحلتها التي بدأت بحلم صغير على التلّ قد قادتها إلى حب حقيقي وشريك يفهم شغفها!
احتفلت القرية بزواج ليلى والشاب الوسيم، وكان العرس مليئًا بالألوان، حيث رسمت ليلى بنفسها لوحات زينت بها الساحة، وأقام الفنانون الذين تعرفت عليهم في المدينة معرضًا تكريميًا لها!
بعد الزواج، استقرّا في المدينة، لكنهما كانا يعودان إلى القرية بين الحين والآخر، حيث أسسا مدرسة صغيرة لتعليم الرسم للأطفال، ليمنحاهم فرصة لاكتشاف مواهبهم، تمامًا كما اكتشفت ليلى موهبتها ذات يوم!
وهكذا، لم تكن قصة ليلى مجرد رحلة بحث عن الأفق، بل كانت رحلة لاكتشاف ذاتها، وموهبتها، وحب حياتها، ليصبح أفقها الجميل ممتدًا بين الريشة واللّون، وبين الحب والفن، وبين القرية والمدينة، حيث لا حدود للأحلام!.
الكاتبة والأديبة أمينة نور


